الكوفية الفلسطينية توحّد الشعب الفلسطيني الذي
يستحقّ الحياة على أرضه. لا يمكن أن تسمع صوت موسيقي فلسطيني من غير أن يضع
الكوفية الفلسطينية ويبدأ في حلبة الدبكة مع رفاق النضال.
في القائمة الثقافية، يتصدّر رسام الكاريكاتور
الراحل الكبير ناجي العلي المشهد الثقافي الفلسطيني الوطني، وقد أدخل في أعماله
بعض الرموز ومنها الكوفية الفلسطينية والبندقية، وهما رمزان يدلان على النضال
الفلسطيني.. وخص الشاعر الفلسطيني الراحل الكبير محمود درويش محطات عدة في شعره
للكوفية ومما قاله:
"سجّل أنا عربي/ ولون الشعر فحمي/ ولون
العين بنيّ/ وميزاتي على رأسي/ عقالٌ فوق كوفية".
تاريخ الكوفية
وعرض الإعلامي والباحث في التقاليد الشعبية
زياد عيتاني لأهمية الكوفية الفلسطينية، التي تحولت الى رمز نضالي لقضيته العادلة،
بكل محطاتها من مقاومة الاستعمار الإنكليزي ومن ثم الاحتلال الإسرائيلي لأرضه
ومقدساته الدينية، لتصبح مع مرور الزمن بلا منازع أبرز إشارة مرتبطة بقضية فلسطين
وحقوق شعبها العادلة، بعد ان كانت تستخدم من قبل الفلاح الفلسطيني الذي اعتاد أن
يضعها على رأسه أثناء العمل في الأرض لتقيه حر الشمس وبرد الشتاء".
الكوفية الفلسطينيية (صفحة
فايسبوك زياد عيتاني).
وتوقف عند لباس الفلاحين الفلسطينيين، مشيراً
إلى انه "قبل عام 1936، ارتدى الفلاحون "الشماغ" لمسح عرقهم. ومع
مرور الوقت طورت النسوة الشماغ وأضفن عليه الحبكة السوداء لزيادة قدرة القماش على
امتصاص كمية أكبر من العرق، وإثبات الخيوط النافرة فاعلية أكبر في مسح التراب عن
وجوه العمال بالإضافة إلى عدم انزلاق "الشماغ" المطرز (الكوفية) عن رؤوس
الفلاحين خلال عملهم".
عن التخفي بالكوفية لمحاربة الإنكليز: قال:
"مع اندلاع ثورة عام 1936، تحولت الكوفية من قطعة قماش إلى رمز للنضال رسخته
الدماء. خلال تلك الثورة أخفى الفدائيون الفلسطينيون ـ وكانت غالبيتهم من الريف -
وجوههم بالكوفيات عند تنفيذهم عملياتهم. فسعت القوات البريطانية المحتلة لفلسطين
لإلقاء القبض على كل من يرتدي كوفية".
لارتداء الكوفية
الكوفية رمز الجولة (صفحة فايسبوك لزياد عيتاني)
وشدد عيتاني على أنه "رداً على هذه
الإجراءات، أصدرت قيادة الثورة والمتمثلة بأمين الحسيني أمراً طلبت فيه من جميع الفلسطينيين
ارتداء الكوفية لزيادة الصعاب على مهمة البريطانيين في إلقاء القبض على الفدائيين،
فصارت مهمة الانكليز صعبة بعدما وضعها شباب وشيوخ القرى والمدن، على حد
سواء".
وعما إذا كانت الكوفية غُيّبت بعد النكبة، أشار
عيتاني إلى أنه "بعد إخماد ثورة الـ 36 وحدوث نكبة 1948، غُيّبت الكوفية عن
المشهد الفلسطيني لوقت طويل، ولم تعد إلا في عام 1965، مع اتخاذ
"العاصفة" الذراع العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني
"فتح" اللونين الأسود والأبيض وتطريزة الكوفية خلفية لشعارها".
أبو عمار
وتوقف عيتاني عند دور أبو عمار الذي أعاد
الاعتبار للكوفية، مشيراً إلى "أنه مع ظهور الرئيس الراحل ياسر عرفات على
الساحة السياسية، والتزامه ارتداء الكوفية بطريقة تجسد خريطة فلسطين على كتفه
وظهره وإصبع الجليل على رأسه، عاد الألق للكوفية". ولفت إلى أن "هذا ما
شجّع فدائيي الثورة الفلسطينية على تغطية وجوههم بالكوفية خلال تدريباتهم وتنفيذهم
العمليات ضد الجيش الإسرائيلي".
وذكر في هذا المجال "أن أبو عمار ظل يلبس
الكوفية حتى أيامه الأخيرة، بطريقة هندسية على شكل خارطة فلسطين التاريخية. وكان
أبو عمار يرفض أن تُلتقط له أي صورة بدون هذه الكوفية. ومرة عندما منعه
الإسرائيليون من حضور قداس منتصف الليل في كنيسة المهد عام 2001، وضع الفلسطينيون
مكان جلوس عرفات الفارغ، كوفيته، وقال بطريرك اللاتين آنذاك ميشال صباح في قداس
منتصف الليل: "أنت حاضر أكثر من أي وقت مضى".
برأيه "أبو عمار، الذي أصبحت الكوفية
جزءاً من صورته، كان سبباً في أن يحولها إلى رمز للنضال الفلسطيني، إذ إن الكوفية
ذات اللونين الأبيض والأسود، التي لم تفارقه في أي يوم، هي "رمز الرمز"،
بمعنى أنها "رمز تربيع"، أي أن "أبا عمار رمز الفلسطينيين والكوفية
رمز أبو عمار".
ابو عمار وكوفيته (صفحة فايسبوك زياد عيتاني).
في الاحتجاجات
خص عيتاني جانباً من حواره لدور "الكوفية،
التي لم تبق فقط رمز الفلسطينيين في مناهضة المحتل". فأشار إلى أنها
"أصبحت حاضرة في كل التظاهرات المناهضة لأي احتلال أو للحركات الاحتجاجية
السياسية في العالم، وفي كلّ تجمعات النضال الأخرى، الطلابية والنقابية، التي تحمل
طابعاً سياسياً واجتماعياً وثقافياً".
في وجه صفقة القرن
وعن دور الكوفية في مواجهة صفقة القرن قال:
"أما اليوم، ومع الإعلان عن صفقة القرن المزعومة، بتنا نلحظ أن الألوف
المؤلفة من الشباب الفلسطيني والعربي المتضامنين مع القضية الفلسطينية يضعون
الكوفية البيضاء والسوداء حول أكتافهم، وبعضهم يرتدي "لفحة" أنيقة على
شكل كوفية، مرسوماً عليها خارطة فلسطين أو العلم الفلسطيني ليعبروا عن تأييدهم
لفلسطين وشعبها، حيث جعلوا منهاً رمزاً للتضامن".
ولفت إلى أن "الكوفية تحولت إلى موضة
شيئاً فشيئاً، فتحولت من غطاء تقليدي للرأس، إلى وسيلة مقاومة لإخفاء ملامح
الثوار، ومن ثم إلى رمز فلسطيني ونضالي، يرتديه كل مناهضي الحروب في العالم، إلا
انها تحولت إلى "إكسسوار" أنيق لكل محبي الموضة، الذين يستخدمونها شالات
أو قمصاناً وأثواباً، أو في استخدامات أخرى".
Kommentar veröffentlichen