( دموع الصائم )
أبي
*********
فتحت عيني على صلاة أبي
الجهرية ..كان والدي اميّا لكنه امّة.. يحفظ من القرآن الفاتحة وقليل من السور القصيرة
..يصلي بها ويدعو ربه ب.. قل هو والله أحد..يوقظ المؤذن تيسير مبارك .. للآذان.. ويبقى
يناجي ربه إلى أن تقوم الصلاة . فكان يؤمن أن الله رب قلوب ..فيدعو الله بلغته البسيطة
المحكية . وقد تعود أن يقول(اطعينا ) وليس اعطينا .. وعندما يقول بصلاته انا اطعيناك
الكوثر .. بدل اعطيناك الكوثر اصححة .. يا والدي اعطيناك يجيبني: بهدوء( الله عارف
قصدي أكثر منك .. الله يحاسب على النية مش على اللسان ) . كان والدي مباشر كشمس الظهيرة
.. لا يهمه من سيغضب أو يرضى من قوله المباشر
.. يبكي في الصلاة وفي التعبير عن الحب والسعادة
.. وعن الحزن .. غزيرة ورقيقة دموعة ..لا يستطيع أن يخفيها رغم عناده وقوته ..صلب وعنيد
بموقفه لكنه متسامح وعفو بما له .. لم أسمع له قهقة يوما أو فرح مبالغ به .. لكنني
سمعت نحيبه الصامت عندما تصدمه (الشغنفة ) عندما كنت اتظاهر بالنوم واسترق السمع قريبا منه . لا اشعره أنني صحوت . أو سمعت
. فابي لا يظهر ضعفه وحزنه ..الا بصمت دموعة
من عينين زرقاوتين كزرقة السماء .. يغطيها حاجبين كثيفين كحقل سنابل . والدي لا يأكل
لوحده .. حتى لو كان الطعام قليل أو كان يتضور جوعا نعرف أنه بحاجة إلى من يشاركه طعامه
منا أو كلّنا ..يحب اللبن الرايب بعد أن يضيف اليه الماء ويَفُتُّ به الخبز (البايت) القديم ..يحب الحليب البقري وحليب الماعز .ولا يقترب
من الطعام المُعلّب والمُصنّع خارج البيت.
والدي يحب شجرة الكينا
القريبة من بيتنا في المخيم ..أشعر وانا القاه في ظلها أنه يعشقها .. عرفت منه أنه
زرع مع والده جدي هيكل في بلدنا الضمايرة كثير من أشجار الكينا حتى أصبحت حرشا كان
يسميها (الكينبات) يبيعون خشبها ويوقدون حطبها
في الموسم ..وتستعمل جدتي كاملة (ست الكمال ورقها في الاستحمام بعد غليها .. لما لها
من فوائد في نضارة الجلد الآدمي.
ابي يحب الصغار ولا يتحمل
أن يضرب أي من أولاده حفيدا أو حفيدة أو ينهرهم بفظاظة.. كان يغضب اذا ضرب أي منا ابنه
الصغير
.
كان يطرق بعصاه على أبواب
الجيران فجرا للصلاة واذا زار أحدهم يستأذن بصوت عصاه على الباب .. لم يحن ظهره وهو
في التسعينيات من العمر منتصبا .. يذهب للتسوق وقضاء حاجات البيت . وعندما أحس بالتعب
وهو في الثانية والتسعين من عمره ذهب ماشيا إلى المستشفى الحكومي وكان اليوم العاشر
من رمضان العاشر من أيلول ٢٠٠٨ .. صائما .. وصل اخوتي محمد وسمير
للمشفي وقد وجدا ابي مستلقيا وقد وضعوا في وريده الغذاء..كنت لا زلت في العمل
في رام الله .. فطلب منه اخي محمد ان يشرب ماء .. رفض وقال اني صائم ..فرد محمد ولكنك
يا أبي تأخذ غذاء في الوريد وهذا يفطرك..
رد والدي بهدوء ما دام لم يدخل فمي بارادتي فأنا صائم .. وتوفاه الله صائما
.. لك الرحمة والمغفرة . والجنة بإذن الله لروحك السلام .. يا سندا فقدناه ونحن بحاجة
لهذا الجبل الشامخ مسند عليه روحنا . لنا
الله ولك الرحمة
Post a Comment