ArabicEnglishFrenchGermanItalianRussianSpanish

gh531

نقطة ضوء

آخر الأخبار

نقطة ضوء
random
جاري التحميل ...

درويش ملأ الشعر وشغل الشعراء - احمد يعقوب


" أن يكون المرء شاعراً... يعني أن يندمج في العالم على نحو يبدو وكأنه هو العالم. وأن يكون المرء شاعرا هو أن يمتلك شهية القلق، قلق يؤدي استهلاكه إلى الغبطة، وسط زوابع الأشياء الموجودة والمهجوسة"
نحيي رحيل الشاعر الكبير محمود درويش أو رحلته إلى الخلود. درويش ، بعد رحيله المؤلم ، لا يزال يتسرب مثل الضوء ، وحضوره الرائع يمتد إلى "أعماق الغياب" ، على حد نعبيره .
. ولا يزال درويش راسخًا بعمق في الوعي العربي ككل ، وبالتأكيد إلى الأبد
. وعند التأمل نجد المشاهد البصرية التي تثري الصور الشعرية وطريقة نقل التأثير إلى المتلقي ويبدو أن درويش كان ينوي تحقيق ذلك.
" قال :"  في قصيدته "مديح الظل العالي
عَمَّ تبحث يا فتىً في زورق الأوديسةِ المكسورِ؟
عن جيش أُحاربهُ وأهزمهُ,
.... , وأسأل : هل تكون مدينةُ الشعراء
وَهْمَا؟
يطمح شاعرنا إلى احتواء كل الشعر ، ليمثل كل أساليبه ، ويجربها ويتنقل فيها ، ليصبح مكانًا لجميع الشعراء ، ومكانًا في التاريخ ، حيث التاريخ هو خلق اللغة .
و تتجسد موهبة درويش غير العادية في أسلوبه ، وهو أسلوب فريد من نوعه للشعر العربي
أستطيع القول إنه موسيقار في بحور الشعر والقوافي.
تحدث درويش عما أسماه "الطبخة الشعري" في تجربته ، وهو ما ميز تجربته وأعطى شعره طابعًا خاصًا اذ قدم في قصائده وصفة لشعره من خلال مفردات بلاغية تستخدم الاستعارات والتورية..
يتحدث الشاعر الفلسطيني يوسف عبد العزيز عن أثر درويش على الشعر العربي المعاصر ، سواء كان على  شعراء جيله أم شعراء الأجيال اللاحقة ، ويعتقد أن هذا التأثير كان كبيرا.  اذ تميز شعره بكل ذلك التنوع  مما جعله نموذجا يحتذى به في الشعر. " كان شعره  بمثابة مغناطيس كبير جذب الشعراء إليه ، ولم يتمكنوا من كسر هذا الجذب دون صعوبة".
أدرك درويش هذه المشكلة" ، عندما بدأ يرى شعره يتدفق من أفواه الشعراء.  وذات مرة صرخ: "  ألا فليفرنقع الشّعراء عن لغتي، سأمحوها من الماضي ومنهم.".
لكن درويش كان له موقفه من قصيدة النثر الذي كان بالنسبة لي نتيجة إيمانه الراسخ بأن الشعر انشاد كما يؤكد أرسطو في "فن الشعر" حيث قال درويش: "الإيقاع يختارني
ربما لم يكن موقفه من قصيدة النثر موقفًا فنيًا أو إبداعيًا ، بل موقفًا فكريًا وسياسيًا من أطروحات الشعراء العرب ومنظري قصيدة النثر أمثال أدونيس وغيره.
وعلى الرغم من حقيقة أنه كتب العديد من النصوص النثرية ، لكنه لم يعتبرها قصيدة نثرية ، ولكنه استثمر "التصادم" بين الشعر وطاقات النثر كما قال "أحب النثر التلقائي للشعر" ، أو كما قال : "النثر والشعر  يطيران معا".
أذكر هذ لتوضيح موقف الأجيال الجديدة من الشعراء الشباب منذ ستينات القرن الماضي حتى اليوم.
كان لدى الجيل الجديد رؤية جديدة ...هذا الجيل يعيش مرحلة تسقط فيها أنماط الرؤى الفكرية التقليدية، وتحل في مكانها أنماط جديدة تمثل حساسيات مختلفة، فتتوارى الرؤى الفكرية والفلسفية الكلية وتحل في مكانها تجارب تحتفي بالجزئيات، وبالتفاصيل الصغيرة التي تعبر عن العابر والمعيش أكثر من المتكامل والجاهز أو المكرر في حياتنا من السخرية المريرة الدفينة و الفوضى العارمة.. لهذا تغترب قصيدة الجيل الجديد في فلسطين عن عصرها وناسها ، دون أنّ تخسر زخم التبشير بالحرية و بالديمقراطية وبالتمرد والتفرد والتجدّد والتقاط هموم الإنسان.. فلقد غادر الشاعر وظيفة التلاوة، ولهذا انقلبت القصيدة إلى نَصّ، وما يعنيه ذلك من موت المؤلف، وبهذا أفضى موت المؤلّف إلى ولادة القارئ بسلطة الذائقة المتجبرة والتأويل.. فالشاعر يكتب في صيغة قصيدة ، والمتلقي يستقبل في صيغة نصّ.. الأمر الذي يمنح القارئ حقّ استيلاد النصّ ، عندها يقوم المتلقي قارئ النصّ فيمنح نفسه حقّ قتل الشاعر في حين يبحث الشاعر عن قارئ لديه الحد الأدنى عن كيفية قراءة القصيدة تماماً كما أنصت إليها الشاعر ــ بينه وبين نفسه ــ في مسار خلقه
كل هذا تتعمده الكتابة الجديدة في فلسطين والعالم، لكي تتمرد الكتابة على القيم الشائخة التي لم يعد لها مكان في حياتنا.
شعراء مصر الشباب
لا يزال البعض منهم متأثرين بدارويش ، بينما تخلص بعضهم من سحره بعد "سقوط الأيديولوجيات" كما يقولون .
يعتقد الناقد والشاعر محمد بدوي أن "طبيعة شعر درويش لا تترك أثرًا بالمعنى الحقيقي ، لأنه شاعر حركة تحرر وطني ، فهو ينتج شعر هوية يدافع عن اقتلاعه".  يعتقد أن تجربة درويش كانت محبوبة من قبل المثقفين اليساريين ، الذين تعاطفوا مع الموضوع وأعجبوا بقدرات الشاعر الغنائية ، تلك الغنائية تصبح "إشكالية" لشعراء قصيدة النثر  في مصر ولبنان والعراق وفلسطين .
لكن ألا تستطيع المرحلة الأخيرة من قصيدة درويش أن تغير وجهة النظر هذه؟
ولعل هذا ما يجعل السؤال مشروعا هل استطاع صاحب "الجدارية" أن يصنع مدرسة شعرية خاصة به لطلابه؟
يجيب: "المرحلة الأخيرة تأتي بعد أن أدرك درويش أن صياغته لهوية الشعب الفلسطيني شعريا صنعها كمناضل من أجل حقوقه ، ولكن مهما كان جهده في التحول ، فإنه يظل محكومًا بخبرته الطويلة السابقة".
يعتقد "علاء خالد" أن كتاب شعر درويش "المحاولة رقم سبعة" و "أعراس " من أهم الكتب التي قرأها على الإطلاق. حيث "توجد الموسيقى ويوجد التأمل ، وتوجد في تكرار الجمل والجماليات التي يهيمن عليها درويش حرفيًا ، وتفتح مسارات توسع مجال الوعي في القصيدة. لم يعبر درويش عن نفسه من خلال  مشكلات الحداثة وأزماتها في عالمنا العربي ، لكنه كان من مبدعي الشعر العربي الحديث حيث "
يسير تفكيره وشعره جنباً إلى جنب. "". ويضيف:"  تعلمت من درويش ، لكني لا أعرف كيف.  لديه كيمياء سحرية". إنها ظاهرة شعرية من حيث ظهورها وتأثيرها وانتشارها.  درويش ونزار قباني أيقونات كبيرة في زمن شعري ".
أما " إبراهيم داود" فيعتقد أن جيله الشعري في مصر ، جيل الثمانينيات من القرن الماضي ، انتقل من أيامه الأولى إلى تجربة درويش ، وتأثر به ... لكن "تخلصنا بسرعة من  التأثير بعد سقوط الأيديولوجيات في الشعر ".  يرى داود درويش كأحد أقاربه في الشعر وليس من أساتذته.  يشرح: “قصيدته أقرب إلي لأنها تتعامل مع الجانب الطفولي من شخصيتي.  بسبب حيله الطفولية المذهلة ، فهو أقرب إلى القلب".
الأمر يختلف عند" فتحي عبد السميع" ، لأنه يرى درويش وأمل دنقل  كبطلين قاداه إلى "شعر مختلف": "أحببت درويش وأمل ، حب لم يتوقف ، على الرغم من انخفاض السطوع في جزء كبير من شعر درويش مع التركيز على تقنيات وجماليات الشعر العربي"
وبحسب عبد السميع:" لم يفاجئني كشاعر ، لكنه كان يتعارض مع ما بدأ في جمع قناعاتي ... بما في ذلك ، على سبيل المثال ، فكرة تصفيق الجمهور الذي  يبدو لي دليلاً على فشل القصيدة بدلاً من الدليل على نجاحها ، دليل على مرورها السطحي في الوعي بدلاً من الدليل على الاختراق في الأعماق.  دليل على براعة القارئ وقدرته على تكييف الشعر ، مع النظر إلى الشعر الحقيقي على أنه بذرة لا تحتاج إلى شيء".
أما الشاعر السبعيني" أحمد طه" فهو يرى أن درويش لا يمكن أن يكون "مديرا لمدرسة" لأنه ينتمي إلى مدرسة هي استمرار للشاعر العراقي (بدر شاكر السياب) ، ومن أبرز سماته:  شغف الموسيقى واستخراج أكثر إمكانات التركيب الشعري تفعيلًا". لكن الجميع يتفق على أن درويش ظاهرة ثقافية لا تتكرر في تاريخ الثقافة العربية
ومن الأردن يرى د .. ابراهيم السعافين : "أن بعض المفتونين بالشكل والشفرة اللغوية ” عابوا على محمود درويش خاصة وعلى شعراء المقاومة أنهم كرسوا شعرهم لقضية معينة، وأن ارتباط الشعر بقضية مهما تكن قدستها وقيمتها سيفقد هو قيمته بانتهائها من الفكر والوجدان".
ويقول :" لقد خشي بعض محبي تجربة محمود درويش أن يقع قي شرك تجارب الشعراء الذين سبقوه أو بوجه أدق أن يقع في فخ التنظير للشعر على نحو معين ظناً بأن التنظير هو الرافعة الأساسية للإبداع ولكنه  نجا بموهبته وثقافته وحدسه وذكائه من أن يكون تابعاً في مدار".  ومن العراق الناقد والشاعر علي جعفر العلاق يقول  :" محمود درويش، أو القمر الذي كسرته الريح فجأة، لا يمكن اختصاره بعجالة؛ فهو شاعر حفل شعره وثقافته ووعيه الفني؛ كما حفلت حياته الخاصة والعامة بما يجعله شاعراً استثنائياً يصعب تجاوزه أو تكراره لعقود عديدة. وإنجازه الشعري نموذجي على تحويل جماليات القصيدة العربية بروح سخية ومبتكرة.  يجد المستلم والناقد في قصيدة درويش ثراءً إيقاعيًا يكون نظيره في كل شعرنا الحديث أقل إن لم يكن أقل في شعرنا العربي عمومًا.
الناقد صبحي الحديدي: "لا يسعني إلا مقارنة تأثيره الأدبي بأسلوب ذلك التأثير الخاص الذي تمتع به الشعراء العرب الكبار في المراحل الذهبية لازدهار الشعر ، عندما كان الشاعر أشبه بنبي الأمة ، و  وجودها ، وعرافها الذي يمسح مصائرها الماضية والحاضرة ، ومرآة ضميرها في السمو والانتصار ، كما في الانكسار والهزيمة".
وفي السياق نفسه ، يقول الناقد الدكتور إبراهيم أبو هشهش من جامعة بيرزيت: "درويش ، مثل جميع الكتاب العظماء في العالم ، ينتمي إلى الخصائص الإبداعية للأمة والإنسانية بأكثر أشكالها براقة".
ويقول: "يمكن للمبدعين العظماء فقط أن يصبحوا جزءًا من هذا النهر الذي يتدفق إلى الوعي البشري بعمق وجمال وتعاطف مما يجعل تجربتهم الخاصة تجربة إنسانية متكاملة تتجاوز حدود اللغة ...ودرويش هو واحد منهم ، قادر على القيام بذلك حتى في أكثر اللحظات الكئيبة في البلاد ، التفكك واليأس من الناحية السياسية".
  الصحافية الالمانية ميلاني كريستينا مور تقول:" كل من يسعى لفهم الروح العربية يجد الكثير من الذاكرة الجماعية للشعب العربي في الشعر ، وآخر في المأساة الفلسطينية عام 1948. محمود درويش ، أحد أبرز الشعراء العرب في العصر الحديث ، جمع الاثنين".
في الجزائر في زيارته الاخيرة عام 2005 فلقد أغلق الشعر شوارع العاصمة
الناقد المصري  د. صلاح فضل يقول :" خلال رحلة الدكتوراه في مدريد فوجئ شخصياً بالهزيمة في حرب عام 1967 ، ولم يجد شيئاً يشفي جراحه ، باستثناء قصائد نزار قباني ،
قصيدة ملحمية رائعة".
ويواجه بيئة درويش التي كانت حياته كما يصفها الناقد معضلة وجودية تحكمها تفاصيل حالته الشعرية ، عاش موزعا بين زمان ومكان وشعر ، وفي هذه المرحلة يتتبع المؤلف حياة محمود درويش.  منذ ولادته في قرية بروة ونزوحه إلى بيروت.  وعاد مرة أخرى ، مروراً بحياته في روسيا والقاهرة وبيروت وباريس ، ثم علاقته بياسر عرفات ، بعد انضمام الشاعر إلى منظمة التحرير الفلسطينية ، وكذلك دوره القيادي في  رئاسته للمجلس الأعلى للثقافة والإعلام ، ثم استقالته من جميع مناصبه بعد توقيع اتفاقيات اوسلو.
إن إنجاز درويش الفخم والشاعري الجميل كأحد أعظم الخالدين في تاريخ القصيدة العربية.  لا شك في أن الشق الذي خلفه رحيله المدوي في المشهد الشعري سيظل بعيد المنال لفترة طويلة.  في غيابه سنفتقد ذلك الشاعر الذي قدم دائمًا براهينه الرائعة على فائدة وعظمة شعر عصرنا ، وعزز الرابط ؛  ببراعة وصدق ؛  بين المقطوعة والغنائية والخاصة والعامة وبين المأساوية ولحظة الأمل التي لا يمكن تفويتها.
وفي الختام اريد ان اذكر ما قاله الرئيس الجزائري بوتفليقة لسفير فلسطين في الجزائر “تشفع لكم فلسطين ومحمود درويش
محاضرة بالاسبانية  بمناسبة رحيل الشاعر محمود درويش قدمها  الشااعر احمد يعقوب في ندوة اقامتها سفارة فلسطين في الارجنتين عبر شيكة التواصل الاجتماعية*

عن الكاتب

3saw

التعليقات


اتصل بنا

Loading... Contact Me on 3swa1

الوطن ،، معناه أن تقف وتدفع دمك ثمنا بلا كلام ,,, أو هرطقة كاذبة أو تحزبات سخيفة واهية................. ولا تستعجب.. فقد تكون مناضلًا صادق ......... لكن للاسف ............الخائن لســـــانك ..!!! ...